قراءة تحليلية ونقدية في قصة (حبّ عذري ) 

للكاتبة والصحفية سليمة مليزي

 

 

 

الشاعر والناقد الدكتور زياد الشيخ صالح - العراق  
                         
نادراً ما تمر على أذهاننا، قصص تحكي، عن واقعا ملموس يشعرك وكأنك تعيش الحدث بكل لحظة وكل نفس ويشعرك الكاتب بأنك ترتحل إلى ذلك الزمن البعيد وتغوص في خباياه وتتنفس هواء القصة بكل معانيها، هكذا أحسست. وأنا أقرأ للأديبة والصحفية الشاعرة سليمة مليزي قصتها القصيرة «حبّ عذري»،  اعتمدت القاصة الجزائرية المبدعة سليمة مليزي على ركن أساسي وهو التجديد القصصي والروائي، إذ اسبغت من البدء على نصّها القصصي استهلالاً ومقدمةً أدبية فنية رائعة، أعطت النص جمالية سردية دلّت على قدرة القاصة على التعبير عن علاقة الإنسان بأرضه، ابتدات بسردٍ وصفي لعنصر المكان و(الما حولَ) حين تقول: (يمتد بصري لمتتاليات ذهول، سماء تحتضن غيومها جبل مجونس تظهر قمته البيضاء شامخةً يكسوها لون الثلج ناصع البياض).
ثم وصفية مجازية وكأنها تتلاعب بجمالية اللغة بأنامل تتقن صياغة العمل الأدبي حين تقول (كعمامةٍ تنحت الأمل من حنايا الفضاء)، وبأتقان الكاتب المتمكن تنتقل بنا لمدخل القصة بابداع وترميز مذهل (ولأن مسافات أضحت توحي بقدوم المطر) ثم (يسود الشعور بهدوء ما قبل العاصفة) لتنبأنا بعمق الحدث والحبكة، وعنصر العقدة في القصة ولم تخلو القصة من اسباغ حالة وصفية من الحب العذري بأنقى صوره وأصالته، كنوع من السرد الوجداني الرقيق في (عرفت معنى أن تكون الأنثى رمزا من رموز الإحساس والجمال بالنسبة للرجل) وما يتخلل هذه المشاعر الرقراقة من علاقات إنسانية يربطها ببعض حبّ عفوي ليشكل علاقة حب أكثر عمقا ورسوخا بالأرض والطبيعة دون إهمال حالة الحب العذري بين حامة وخديجة منذ الطفولة، في قصة حبّ عذري نجد ظهور ثلاث عناصر بصورة جليّة  هي:
1ـ السرد الخيالي القروي
2ـ التمازج والتهجين اللغوي السردي
3ـ الاسلوب الترميزي للسرد الواقعي والخيالي .
أولا// السرد الخيالي القروي
ارتكزت القصة على نقل الصورة الواقعية الجميلة وروح الأصالة والتراث في السرد الحكائي، فهي تنقل كل الصور الجميلة بمفرداتها في أسلوب رائع، إذ التزمت سردا استمد جماليته من خلال التوصيف العميق والوثيق بالقرية وطبيعة الأرض (سماء تحتضن غيومها جبل مجونس) ومفردات المطر والريح والقرية والشياه والشجر،والثعبان، ذلك المجاز العميق، ومنزل ابن القاضي، وبأسلوب غزير يتميز بلغة هادئة توحي بهدوء المكان وطبيعته، مع تكثيف الأخبار والوقائع والمأثور القروي وخلق شخصيات تنبثق من عمق علاقتها بالأرض، دون حشو وزيادة، لتعكس علاقتهم بالأرض والقيم والمفاهيم وعمق الانتماء.
ثانيا// التمازج والتهجين اللغوي السردي
أضفت القاصّة بشكل مقتضب وجميل في هذا النص أسلوب التهجين السردي ليضفي جمالية ادبية رائعة، فنجد بعض المفردات تظهر كنوعٍ من التمسك والعودة لروح التلاحم بين النص الأدبي وتجميله بلهجة البلاد وهو نوع من التكثيف الحكائي الواقعي، ونوع من التهجين في المتن القصصي وبأسترسال رائع، مما يدلّ على قدرة القاصّة سليمة. مليزي، في جعل الشخوص والحدث اكثر واقعية بتصويرٍ مذهل.
ثالثا // الأسلوب الترميزي في السرد
اعتمدت القاصّة اسلوبا ترميزياً رائعا، بدءً من المقدمة واسترسالا لمتنها وخاتمتها، حيث تقول (كعمامةٍ تنحت الامل من حنايا الفضاء) ثم .. (جاءتني بقليلٍ من الكسرة واللبن لأسدَّ بهما زمناً من الرمق) ؟؟؟؟؟؟
و( هبّت ريح باردة، في عزّ حرارة الخريف ) ؟؟؟
في هذه الترميزية والمجازات والمفارقات الأدبية السردية وكأنها تأخذ المتلقي إلى أصل العقدة والحبكة، وهذا ما يتضح تماما في بيان. العلّة من مجازها (لاسدّ بها زمنا من الرمق)، مجاز عميق وترميز ذو دلالات أعمق، حين ينتهي بنا الى (اللعنة على هذه الحرب)، لتتضح بعدها معالم ومضامين ودلالات القصة العميقة المغزى وتترك مساحات واسعة لخيال القارئ نحو البعيد.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024